تشكل التغيرات الكبرى في عالم اليوم بأشكالها المتنوعة وتياراتها الفكرية وبأبعادها المختلفة انعطافاً معرفياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً وحضارياً في تاريخ الأمم والشعوب . كما أن ما أفرزته ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصال من تحديات أحدثت فجوات في عالمنا هذا ، متخذة شتى المسميات منها : الفجوة الرقمية ، والفجوة التقنية ، والفجوة الغذائية ، والفجوة الصحية ، والفجوة المعرفية وغيرها من الفجوات التي تفرض علينا مطلباً حتمياً في مراجعة وإعادة النظر في أنظمتنا التربوية من حيث التشريعات والسياسات وهياكلها التنظيمية لتعطي مزيداً من المشاركة المجتمعية في العمل التربوي وتطويره، هذا العمل الذي تتمحور غاياته وأهدافه حول الإنسان وتنمية شخصيته المتكاملة في المجتمع .
وتعد المدرسة من أكثر المؤسسات التربوية شيوعاً في العالم أجمع ، حيث لا يخلو مجتمعاً منها لارتباط التعليم فيها ارتباطاً مباشراً . كما وأن التعليم نفسه يعد أيضاً من الأنشطة البشرية الأكثر عالمية في الوقت الذي نجده شديد الذاتية الذي يعود إلى اختلاف أساليب التوظيف المجتمعي للتعليم ، علماً أن كل هذا يرجع إلى اختلاف النظم السياسية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بين المجتمعات الإنسانية . من هنا ظهر الاتجاه الحديث في مجال التوظيف الاجتماعي للتربية والذي ركز على النظام التعليمي ومراحله المختلفة من أجل تحقيق العبور الآمن للقرن الحادي والعشرين معتمداً على أربعة أعمدة رئيسية هي : التعلم للمعرفة ، والتعلم للعمل ، والتعلم للعيش مع الآخرين والتعلم لتكون ، هذه الأعمدة الرئيسية للتربية جاءت لتخرج المدرسة من إطارها التقليدي ذات الصفة البيئية الضيقة المحصورة في جدرانها الأربعة لتدخلها في رحاب المجتمع الواسع ببيئته المجتمعية التي يتسع نطاقها باطراد يوم بعد يوم .
إن مدخلات العمل التربوي متنوعة ومتشابكة وفي علاقة دينامية في آن واحد ، متمثلة في فلسفة التربية وأهدافها ، و أفراد المجتمع وموارده الطبيعية والاقتصادية ، وطبيعة بنية النظام الاجتماعي والسياسي ، وهذه كلها تشمل متغيرات لها امتداداتها حيث أن كل واحدة منها تشكل نظام في حد ذاته . كما أن ما يواجه العمل التربوي من مشكلات وتحديات ما هو إلا سبب يعود إلى التهميش للأسس الاجتماعية للتربية ودورها في المجتمع . من هنا جاء الاتجاه الحديث للتربية والذي يدعو إلى المشاركة الجدية للمناطق التعليمية في استحداث برامج ومشروعات تربوية إصلاحية من جانب وتطويرية إبداعية من جانب آخر، تنطلق من خصوصية البيئة المجتمعية المحيطة بالمدرسة والقائمين عليها بمتغيراتها الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمعرفية . من هنا بدأ التفكير في أن المدرسة كمؤسسة اجتماعية قادرة على أن تقوم بمشاريع تربوية استثمارية تأخذ شكلين منها تطويرية ومنها علاجية للمشكلات التي تواجه العملية التعليمية بصورة خاصة والتربوية بصورة عامة . لقد ظهرت العديد من البرامج والمشروعات التربوية متخذة مواقع مختلفة ومتنوعة، تأخذ موقعها في العمل التربوي ، منها ما يخص العمل التعليمي بأبعاده المختلفة .
وتنبثق أهداف جميع هذه البرامج من العلاقة التكاملية بين المدرسة والمجتمع . حيث أن مثل هذه البرامج والمشروعات لا تنمو ولا تتحقق إلا من خلال أنظمة الخدمات التربوية والاجتماعية مع التركيز والاهتمام بالخدمات الاجتماعية (Social Services) التي يقدمها نظام التعليم للوفاء باحتياجات المجتمع .
لقد أصبحت الممارسات والنشاطات الاجتماعية في سياق الحياة اليومية تمثل جانباً أساسياً في تصميم وبناء البرامج والمشاريع التربوية داخل البيئة المدرسية ، مما أدى إلى اتجاه توثيق الصلة بين برامج التعليم وبين ما يمارسه الطالب بالفعل في حياته خارج المدرسة . والخبرة في سياق الحياة الاجتماعية يمكن ربطها بالمعرفة في سياقها التعليمي التنظيمي المدرسي ، وفي ظل هذا التفاعل يتحقق دور التعليم في عملية الحراك الاجتماعي والتنمية الشاملة للبيئة الاقتصادية والاجتماعية .
لقد ظهرت العديد من الاتجاهات الحديثة في مجال التوظيف الاجتماعي للمدرسة ، والذي لا يتم إلا من خلال التركيز على تنمية قدرات الإنسان إلى أقصى ما يمكن أن تبلغه من نمو وارتقاء وهذه مهمة التعليم التي تسعى إلى إرساء مقومات التنمية الذاتية للفرد من جانب والكفاءة المجتمعية للمجتمع ككل من جانب آخر.
إن الدعوة إلى إعداد برامج ومشاريع تربوية ما هو إلا من أجل إصلاح وتطوير العمل التربوي ورفع كفاءته وفاعليته وخاصة بعد أن حل مفهوم الكفاءة (Competence) محل مفهوم المهارة (العملية الروتينية المحدودة) ، فالكفاءة هي مزيج خاص بكل فرد يجمع بين الإعداد والتدريب المهني والتقني وبين السلوك الاجتماعي والقدرة على العمل والقدرة على المبادرة .
إن المعرفة العامة والحقائق التي يتعلمها التلاميذ ليست للتخزين في الذاكرة ، بل لا بد لها أن تخرج من دائرة الترديد الأصم لتدخل في دائرة أوسع وهي كيفية استخدامها وتوظيفها في الحياة . وهذه هي مسؤولية المدرسة وأدوارها في رفع مستوى الكفاءة والخبرة الاجتماعية للمتعلمين من خلال ما تقدمه من مشاريع وبرامج تربوية تسعى إلى توسيع نطاق الخبرات التعليمية لتنتقل إلى خارج حدود الصف الدراسي وكذلك من خلال ربط المدارس بشبكات المعلومات وبالتركيز على تكنولوجيا التربية وثقافة الكمبيوتر والتحكم في المعلومات .
وتنطلق الحاجة الملحة للمشاريع والبرامج التربوية كونها من الممارسات الإدارية التي تحاول أن تجد أو تبحث عن الخيارات والبدائل التعليمية ، التي يمكن توظيفها في سد نقص ، أو في الوقاية والعلاج ، أو حل المشكلات ، أو التطوير والنمو ، أو التنمية الفردية والمجتمعية على حد سوا وهذا لا يتم إلا من خلال الاعتماد على دراسة موضوعية في تحديد الاحتياجات والأولويات في إنجاز الأنشطة والبرامج والمشاريع، الأمر الذي يتطلب وضع خطط واضحة تأخذ جميع المتغيرات( الزمن ، المكان ، التكلفة ، الطاقة البشرية ، و المستوى أو النوع الذي يسعون إلى الوصول له والذي يحقق الغاية المرجوة . والتخطيط عملية مستمرة ومصاحبة للمشروع في جميع مراحله بدءً بمرحلة وضع الخطط الأولية له والتي تتمثل في دراسة الجدوى وحالات العمل والتحليل التنافسي وهذه كلها أدوات أساسية تلعب دوراً كبيراً في اختيار المشروعات، والتي تزود بدورها صانعي الفرار بفكرة أولية حول مستلزمات المشروع وفوائده .
ولابد من الإشارة هنا، إلى أن الموارد البشرية تشكل في كليتها مدخلا ومخرجا رئيسيين ومهمين في آن واحد للمشاريع والبرامج التربوية .كما وستبقى تنمية الموارد البشرية هي مفتاح مسايرة تطور العصر وتغيراته ، فجميع المشاريع والبرامج التربوية تنطلق غاياتها من تنمية الموارد البشرية وانتهاءً بها.
عندما نتحدث عن الموارد البشرية فالمعنيين هنا هم السكان الذين يعيشون في مجتمع معين أو مكان معين أو أمة معينة . وهم يشكلون الأساس في إنتاج السلع والخدمات وتنمية المجتمع . أما مفهوم تنمية الموارد البشرية فتعني " عملية زيادة المعارف والمهارات والقدرات لدى جميع الأفراد في المجتمع ". أما من الناحية الاقتصادية فيمكن وصفها بأنها " تجميع راس المال البشري واستثماره بصورة فعالة في تطوير النظام الاقتصادي " ، ومن الناحية السياسية نجد أن تنمية الموارد البشرية تعني " إعداد أفراد المجتمع للإسهام في العمليات السياسية ، وبخاصة بوصفهم مواطنين في مجتمع ديمقراطي .
من هنا نستخلص أن تنمية الموارد البشرية هي مفتاح العصر وهي تؤدي إلى تكوين ما يسمى "راس المال البشري" . فالإنفاق على العملية التعليمية يعتبر استثمارا في الإنسان تفوق عائداته خاصة إذا نظرنا إلى أن العائد من وراء هذه الاستثمارات هي اكتساب المعرفة ، والمهارات باعتبارها ادخار وتراكم الرأس المالي البشري.
ويعرف كل من هو رنبيك وسلمون (Hornbeck&Salamon,1992) رأس المال بأنه " مجموعة المعارف والمهارات وقدرات الأفراد القاطنين في دولة ما" .
لقد أولت المجتمعات الدولية عامة و المجتمعات العربية خاصة اهتماما كبيرا وواضحا بالعملية التربوية وذلك من خلال تشجيع المشاريع والبرامج التربوية الرائدة تلبية للحاجات المجتمعية المتغيرة بدءا من عقد ورش تعليمية لمدة يوم واحد ووصولا إلى تصميم برامج ومشاريع تربوية استثمارية بعيدة المدى كل ذلك من اجل تنمية راس المال البشري وزيادة فاعليته في المجتمع. في الوقت الذي نجد ان تلك المشروعات التربوية تهدف دائما إلى تقديم فكرة متميزة تعالج موضوعا محددا انطلاقا من فكر شخص أو مجموعة أشخاص لتحقيق هدف أو مجموعة من الأهداف لخدمة المجموع ، كما وان من الممكن أن نكون صالحة للتطبيق في أوساط تربوية أخرى غير الأوساط التي انطلقت منها أو ولدت فيها ، مع بعض الإضافات البسيطة أو العميقة طبقا لحاجة هذه الفئة أو تلك المجموعة .
ويعد المشروع التربوي اصغر وحدة تنظيمية في الحقل التربوي، وهو مركب من عدد من الأنشطة التي تستخدم الموارد المتاحة من اجل الحصول على منافع معينة تحقيقا لأهداف منشودة ، الغرض منها هو استقطاب وتشجيع الأفكار المبدعة والخلاقة وثم تحسينها وتحفيزها من اجل النهوض بالعملية التربوية في المجتمع .
وهذه المشاريع إما أن تكون تثقيفية تدريبية محددة يقدمها الطلاب بالمشاركة مع مدرسيهم مثل مشاريع تنمية المهارات الحياتية أو مشاريع رياضية ... الخ ، أو أنها مشاريع استثمارية تطويرية تأخذ الشكل المؤسسي مستقبلاً .
وتنبثق أهمية البرامج والمشاريع التربوية من أهمية قطاع التعليم واقتصادياته التي تتمحور أهدافها حول الإنسان وتنمية علميا وفكريا ووجدانيا وثقافيا واجتماعيا وحضاريا وتكنولوجيا ، هذا الإنسان الذي يعد من أسمى الموارد الاقتصادية وأثمنها في المجتمعات الإنسانية ككل ، حيث ارتبط تقدم المجتمعات ورقيها بنوعية وكمية الموارد البشرية التي بحوزتها، ولا تكتفي بذلك ، بل أنها تسعى إلى تفعيل إجراء المزيد من التدريب لأبنائها على مختلف المهارات والكفاءات العلمية والتقنية ، في الوقت الذي توفر لهم الرعاية الصحية والاجتماعية والثقافية والحضارية والروحية كل ذلك بتفاعل ضمن منظومة مجتمعية مترابطة ومتكاملة في آن واحد تحقيقا للأهداف والطموحات في ضوء خطة استراتيجية تربوية واضحة .
وينطلق مفهوم المشروع من انه : " مركب من جميع الأنشطة والفعاليات التي تستخدم الموارد المتاحة من اجل الحصول على مردودات نفعية معينة ". ويمر المشروع أو البرنامج التربوي بمراحل عديدة بدءا من المرحلة الأولية والتي بدءا بفكرة المشروع وانتهاء بالنتائج المتوخاة منه .
لهذا فإن هذه الحقيبة التدريبية تستهدف تدريب وتأهيل القيادات التربوية وكافة العاملين المنظمات التربوية بكافة مستوياتهم للقيام بتصميم وإدارة المشاريع التربوية بمهنية واحترافية وفق منهجية علمية مقننة فهذه الحقيبة التدريبية تعد برنامج تدريبي أساسي لجميع القيادات الإدارية خاصة في مجال الإدارة التربوية .
وتهدف هذه الحقيبة التدريبية إلى تعريف المشاركين بالمفاهيم والإستراتيجيات الهامة في مجال إدارة المشاريع التربوية ، وتشمل المادة العلمية لهذه الحقيبة التدريبية على موضوعات مختلفة عن علم الإدارة وتعريف المشاركين بتقسيمات الإدارة ومجالاتها وعلى الفروق الجوهرية بين فروعها وتوضيح الوظائف الرئيسة للإدارة والمتمثلة في التخطيط والتنظيم، والرقابة، والتوجيه واتخاذ القرارات وأهمية المشاريع التربوية وآليات إدارتها باحترافية ومهنية .
ونحن في مهارات النجاح للتنمية البشرية نركز في تصميمنا لحقائبنا التدريبية على أن تكون مبنية على احتياج تدريبي فعلي يلبي حاجات المنظمات وشاغلي الوظائف بها ، وأن تكون منطلقة من إطار أكاديمي علمي محكم متوافق مع ما يقدم لدارسين بالجامعات والمعاهد الأكاديمية العالمية ولذلك فإننا نركز على المنهجية العلمية في تصميم حقائبنا التدريبية وان تصمم وتحكم من قبل مختصين في مجال الحقيبة التدريبية ، إلا أننا نتميز بالأسلوب التدريبي الشيق الذي ينقل هذه الحقيبة التدريبية من إطارها الأكاديمي الرتيب نوعاً ما إلى إطار أكاديمي تدريبي يركز على المشاغل التدريبية التي تحفز على التعلم النشط .
حيث تشتغل هذه الحقيبة التدريبية على تقديم تصور معرفي شامل عن فن إدارة المشاريع التربوية باحترافية ومهنية ، ولا تقتصر هذه الحقيبة على هذا التقديم ، بل تتجاوزه إلى تجارب تطبيقية من واقع ممارسات فعلية من خبراتنا التدريبية والتربوية و الإدارية والإستشارية ننقلها للمشاركين في البرنامج التدريبي .
إن هذه التجربة التي تقدمها هذه الحقيبة التدريبية تتلاقى مع توجهات مؤسسة مهارات النجاح للتنمية البشرية التي تعتني بتضافر الجانبين النظري والتطبيقي في سياق تدريبي عملي يجد له مكانة في التفكير النظري والممارسة العملية في حجرة التدريب . و في ضوء هذا التوجه ، فإن مهارات النجاح تتطلع إلى تقديم حقيبة تدريبية يجد فيها المشاركون ما يلبي حاجاتهم التدريبية ، وما يفيدون منه في ممارساتهم الإدارية .
إننا نتطلع إلى أن تكون هذه الحقيبة التدريبية ، وغيرها مما ننتجه في مهارات النجاح للتنمية البشرية ، مدخلاً لحوار أوسع ومعمق يفضي إلى خلق مناخات إدارية تفاعلية تؤدي إلى إحداث تحول في العملية الإدارية والتربوية بمجملها ، وبما يجري في حجرة التدريب بشكل خاص في إطارها الاجتماعي بأبعاده كافة .
لقد ركزنا في مهارات النجاح للتنمية البشرية أن تكون هذه الحقيبة منطلقة لتقديم برنامج تدريبي ممتع ومفيد ولهذا فهي عبارة عن مشغل تدريبي فعلي يتعلم ويمارس فيها المشارك بأسلوب التعلم النشط الذي يجعل من المشاركين محوراً للعملية التدريبية .لقد تم تصميم هذا البرنامج التدريبي ليكون مقدمة تأسيسه للعاملين في الميدان التربوي بشكل عام وفي الإدارة التربوية والتطوير التربوي والإشراف والتدريب التربوي بشكل خاص .
ويطيب لنا فيما يلي أن نقدم لكم بطاقة توصيف للحقيبة التدريبية متمن لكم المتعة والفائدة .